الدولارات في منازلكم في مرمى التنافس… هل تبيعونها أم تحتفظون بها؟
تقدّر الأرقام المتداولة قيمة الدولارات الموجودة في منازل اللبنانيين اليوم بـ3 مليارات دولار، وأغلبها من الدولارات التي تمكّن اللبنانيون من سحبها من المصارف في بداية الأزمة في تشرين الماضي، إضافة إلى الأموال المرسلة من الخارج، والدولارات الموجودة في خزائن كبرى الشركات، وهي الكتلة النقدية التي سيكون التنافس عليها في القريب العاجل، من الصرّافين وكبّار التجّار لإتمام معاملاتهم التّجارية.
في مقال سابق، طرح “أحوال” مع الصحافي المتابع للشأن الاقتصادي حسين نور الدين قضيّة الدولار في منازل اللبنانيين، والصّراع المستقبلي عليه، والذي بدأت ملامحه بعد الخيبة التي مُني بها لبنان جراء هشاشة المساعدات الخارجية التي كان من المتوقّع تدفّقها إلى البلد بعد حادثة تفجير المرفأ، واستمرار استنزاف العملة الصّعبة في السّوق المحلية، ما يؤشّر إلى أزمة حقيقيّة في مصدر تمويل عمليات التجارة في المرحلة المقبلة.
-هل ستُصادر الدولارات من منازل اللبنانيين؟
عندما نتحدّث عن التنافس على الدولارات الموجودة داخل المنازل، قد يتبادر إلى الذهن أنّ ثمّة من سيأتي إلى المنازل ويصادر الدولارات أو أنّ قانوناً سيصدر بهذا الخصوص كما حصل في أميركا بعد الحرب العالميّة، حين صادر روزفلت ذهب الأميركيين بموجب قانون.
هل نتوقّع سيناريو مشابهاً في لبنان؟ وكيف سيتمّ دفع المواطنين إلى التخلّي عن دولاراتهم؟
يقول نور الدين “هناك كتلة نقدية في أيدي اللبنانيين تقدّر بـ 3 مليارات دولار تقريباً، وهذه الكتلة لا تدخل إلى الاقتصاد إلاّ عند الحاجة، وهذا ما يعتبره اللبنانيون مخزوناً لديهم من العملات الأجنبيّة ربّما لتعليم أولادهم في الخارج، ربّما لغايات حفظ القيمة الشّرائيّة مع تدهور سعر صرف الليرة، أيضاً ربّما لغايات السّفر وربّما للشركات لغايات أساسيّة وهي عمليات الاستيراد”.
ويتابع “المشكلة أنّ هذه الكتلة لم تتعاظم بقدر ما يتسرّب منها، فالاستهلاك اللبناني كان يعتمد على استيراد بقيمة عشرين مليار دولار، اليوم لن يكون الاستيراد بهذه القيمة طبعاً، بل سيقلّ الاستيراد وسيقلّ الإنتاج المحلّي وسيقلّ بالطبع الاستهلاك. بعض الأرقام تقول إنّنا سنكون في العام 2020 أمام استيراد برقم 11 مليار دولار، فمن أين نأتي بهذا المال لتمويل أعمال الاستيراد؟ التاجر اللبناني ليس بإمكانه الاستيراد بالليرة اللبنانيّة، بل عليه فتح اعتماد بالدّولار، وفي ظلّ القيود التي يمارسها مصرف لبنان والبنوك، يجب على التّاجر أن يأتي بدولارات جديدة، بعيداً عمّا هو مدعوم من مواد أخرى”.
الدولار الجديد من أين يأتي؟
يقول نور الدين “الدولار يأتي من السّوق، من السّياحة، من أموال المغتربين، من المساعدات الخارجية، من شخص يريد تصريف دولار للاستهلاك المحلّي بالليرة. هذه الدولارات رأينا أنها موجودة لدى الصرافين بسعر 7500 ليرة، لكنها غير متوفّرة. هذه الدولارات بأغلبها محجوزة للتجار الكبار”.
كمية الدولارات المتاحة في السّوق اليوم غير كافية لتمويل عمليات الاستيراد، والسّؤال هل سيتوقّف التجّار عن تجارتهم؟ هل سيعلن البعض إفلاسه؟
يقول “نعم بعض التجّار سيتوّقفون عن التجارة، وبعضهم سيفلس وبعضهم سيلجأ إلى رفع السّعر أكثر لاستقطاب الدولارات، هم يستحصلون على بعض المواد على سعر صرف المنصّة 3900 ليرة، بينما بعض المواد لا يحصلون من خلالها على دعم، فيطلبون من الصرّاف مبلغاً مالياً كبيراً، بسعر أعلى من السعر الذي يعرضه الصرّاف ليجمع له الدولار”.
التاجر يأتي بالدولارات من الصرّاف، لكنّ الصرّاف من أين يأتي بالدولار؟
يقول نور الدين “من مصادر عدّة أبرزها من عملية صيرفة محلية، لأنّ اللبنانيين يحتفظون بالدولار، هو ليس متاحاً بشكل سهل، لكن يأتي شخص لسداد فاتورة، لاكتساب فرق العملة، يحصل على دعم من الخارج. يجمع الصيرفي هذه الدولارات ليعطيها للتاجر. والمشكلة هي عندما تذهب هذه الدولارات إلى الخارج، ويأتي التاجر بالبضائع، يبيعها إلى السّوق اللبنانية بالليرة، هو لن يحصّل أمواله بالليرة، وعندما يحقّق ربحاً قد يزيد طلبه على الدولار ليشتري المزيد من البضائع برأس المال والأرباح، وبالتالي سيدفع مبلغاً أكبر ليحصّل اعتماداً بمبلغ أكبر”.
ويؤكّد نور الدين أنّ هذا التنافس على دولار المنازل سيستمر في حال عدم التغيّر بالكتلة من العملات الأجنبية القادمة من الخارج، يقول
“عندما نسمع أنّه هناك ضخٌ لعشرة مليارات دولار، تلقائياً يتحسّن سعر الليرة والدولار يكون متاحاً بسعر أدنى هذا عامل يغيّر كل اللعبة، لكن السؤال الأهم ما الذي قد يغيّر قواعد اللعبة؟ أن يتوقّف اللبنانيون عن الاستهلاك الخارجي وهذا مستحيل، وأن ينتج اللبنانيون كل شيء، وهذا أيضاً مستحيل”.
ويتحدّث نور الدين عن احتمال سيطرة الدولار على تعاملات اللبنانيين وهي نقطة يجب إيلاءها العناية اللازمة، حيث تصبح الليرة غير مقبولة في التعاملات بين اللبنانيين يقول “هذا أمر خطير جداً نتمنّى أن يكون بعيداً وصعباً لأنّ الموظفين يقبضون بالليرة اللبنانية”.
وبالعودة إلى الأساليب التنافسية للحصول على دولارات المنازل، يقول نور الدين إنّ عنصر الإغراء الوحيد للمواطنين هو السعر، فعندما تأتي بعض الأخبار المدسوسة أنّ سعر الصرف سينخفض، يسارع المواطنون إلى تصريف دولاراتهم، والصراف يتحكّم بهذه العملية لزيادة أرباحه هو فقط”.
-الدولار سينخفض أم تحتفظون بدولاراتكم؟
بين حديث عن تعقيدات سياسية فتسوية، تسري بعض الأخبار عن أنّ الدولار قد يشهد في المرحلة المقبلة انخفاضاً كبيراً وقد يتمّ تثبيته عند حدود الأربعة آلاف، وهو ما يدفع الكثير من اللبنانيين إلى التفكير جدياً ببيع دولاراتهم قبل أن تفقد الكثير من قيمتها.
يرى نور الدين أنّه لم يتحقّق في الاقتصاد التغيير الجذري الذي يستدعي تغيّراً في سعر الصّرف نحو الأفضل لمصلحة الليرة. إذا أردنا تحليل عمليّة الاقتصاد، لبنان لم يتحوّل إلى بلدٍ منتج يستطيع إيجاد بضائع تصدّر واستجلاب العملات الأجنبية. الثقة بالقطاع المالي منعدمة، هذا يعني استبعاد عمليات التحويل الكبيرة، واستبعاد عمليّة الاستثمارات المباشرة من الخارج، على العكس هناك خوف من كل الأنشطة المالية وهناك ركود اقتصادي يتعزّز يوماً بعد آخر، خصوصاً بعد انفجار المرفأ وتأثّر مجمل التّجارة في لبنان بهذا الموضوع، حتّى مرفأ طرابلس قدرته تقريباً 20 إلى 25 بالمئة من قدرة مرفأ بيروت، ومرفآ صور وصيدا لا يعتد بهما.
كما يرى أنّ أساسيات السّوق من العرض والطّلب لم تتغيّر، صار هناك استيراد أقل، هناك بعض التدفقات من المغتربين لكنها أقل، وهناك مساعدات تتدفّق لكنّها مساعدات مشروطة بأن تكون عينيّة في تسعين بالمئة من الحالات وأن تعطى إلى الناس المستفيدين.
-مصارف لبنان مفلسة
أما موضوع المصارف، فيقول نور الدين إنّ “المصارف باتت مبتورة أو ما يعرف بالزومبي وهي هيكل مصرف، لديها ميزانية فيها أصول وفيها رأسمال وفيها التزامات، لكن واقعاً معظم المصارف اللبنانية هي مصارف ذات صافي موجودات سالب، يعني هي مفلسة، لن تستطيع أن تؤمّن عبر موجوداتها المطلوبات منها، وهذا يعني أنّها أفلست، والحديث اليوم عن زيادة رساميلها.”
وبالسّؤال عن زيادة رساميلها بالليرة اللبنانية عند أي قيمة؟ يقول ” إذا كان الحد من الرسملة المتاح سابقاً هو بنسبة معيّنة على الليرة، أي نسبة اليوم مع تدهور سعر العملة المحليّة؟ هذا سؤال يجب أن يجري البت به”.
لا يرى نور الدين أي بصيص أمل فيما يخص القطاع المصرفي في لبنان، يقول “ما يحصل هو أن البنوك تعمد الى تخفيض التزاماتها ، مثلاً بنسبة دولار ولكنها تعطي للمواطن نصف دولار وهذه عملية سطو على مدخرات اللبنانيين. النظام المصرفي الذي كان لديه 112مليار دولار مدّخرات اللبنانيين بالعملة الأجنبية، على مدى عقود من الزمن، هذه المبالغ البنوك تعتبرها 56 مليار دولار، واللبنانيون مضطرون لسحب أموالهم على سعر الصرف، البنوك تشطب ما عليها بالدولار ولكنها تعطي الليرة، وفي نفس الوقت مصرف لبنان يزوّد المصارف بالليرة ويشطب ما عليه من التزامات تجاه البنوك بالدولار”.
لا ينفي نور الدين أنّ البنوك بدورها تضرّرت، “لكن القانون يوجب أن تكون ودائع اللبنانيين ذات سيادة أعلى، لا علاقة للبناني بما حصل بين مصرف لبنان والبنوك بل تعنيه ودائعه”.
ويعتبر نور الدين أنّ لا حلول تحصل حتّى اليوم، وأنّ النّظام الذي يسير هو الذي يسيّرنا جميعاً. وطالما أنّ هذا السيستام مقبول من المودعين، سيستمر وسيستمرّ شطب الديون من الجهة اليمنى واليسرى لدى الطرف الآخر”.
ويطرح نور الدين تساؤلاً حول طبيعة النّظام المصرفي في لبنان حيث أنّ البنوك المتخصّصة مفقودة، و”البنوك اعتنت فقط بالاستثمار في المضاربة المالية وفي وضع المال لدى مصرف لبنان، وهذا أسوأ ما حصل في الكرة الأرضية، إنها السّرقة الكبرى “.
ويرى نور الدين أنّ “إيجاد نظام بنكي سليم هو ضرورة للاقتصاد، إذ أنّه هو الذي يقوم بعملية ضخ الأموال من الجهة التي تملك الأموال إلى الجهة التي لا تملكها وهو يكون الضامن، وأيضاً الضامن لفتح الاعتمادات ولديه أدوار عدة في العمليات التجارية. النظام المصرفي نظام أساسي لكن لا يجب أن يقوم على المضاربة المالية الرخيصة”.
ويشير نور الدين إلى أهميّة السّوق المالي في بيروت، ويقول “ماذا نعني بسوق الأدوات المالية؟ يعني إذا شركة تحتاج إلى رأسمال تذهب وتطرح هذا الأمر على النّاس، أنا أريد أن أموّل مشروعاً بخمسين مليون دولار مع خمسين مليون سهم قيمة كل سهم دولار واحد، هذا يستدعي وجود هيئة وقوانين جديدة ترعى سوق مال قوياً وجديداً، ويستدعي أموالاً جديدة من اللبنانيين حتى تستطيع أن تقوم شركات بمشاريع جديدة، وذلك من خلال مدّخرات اللبنانيين في المنازل أو تلك التي تستقطب من الخارج.”.
إيمان إبراهيم